الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فإنه يجوز لذوي الدخل المحدود أو للطلاب الذين أولياؤهم من ذوي الدخل المحدود أن يأخذوا القرض الحكومي للدراسة الجامعية؛ سواء أكان القرض متعلقا بالرسوم الدراسية أو كان متعلقا بمصاريف السكن، والمعيشة، والنقل، وشراء الكتب، ونحو ذلك أثناء فترة الدراسة.
وذلك لما يلي:
1 ـ أن التعليم من الحقوق الأساسية للإنسان في الإسلام؛ سواء أكان تعليما واجبا عينيا أو واجبا كفائيا أو وسيلة للكسب الحلال.
2 ـ أن من حق المواطن على حكومته أن توفر له الحقوق الأساسية مجانا، ومنها التعليم؛ فإن لم توفر الحكومة له ذلك مجانا فله أن يطلب منها المال الذي يصرفه في الحصول على ذلك الحق، وهو هنا التعليم وما يتعلق به.
3 ـ أنه لا يصح التعسف في إعطاء الحقوق؛ فإذا كانت الحكومة غير قادرة على توفير ذلك الحق الأساسي مجانا للجميع، وإنما للأشخاص ذوي الدخل المحدود أو للأولاد الذين أولياؤهم من ذوي الدخل المحدود فقط؛ فالأصل أن تقرضهم إياه قرضا حسنا دون زيادة ربوية عند السداد؛ لأنه حق لهم عندها، والحقوق تؤدى دون تكليف مستحقيها بوظائف مالية إضافية.
فإذا تعسفت الحكومة في توفير هذا الحق الأساسي؛ فقامت بفرض زيادة على تلك الأموال عند السداد؛ فإن تلك الزيادة، في تقديري، لا تعتبر زيادة ربوية في حق أصحاب الحق، المستحقين له؛ وإنما تعتبر مكسا (ضريبة) أو وظيفة مالية، دون وجه حق، ويدفعها صاحب الحق في سبيل تخليص حق من حقوقه الأساس وهو التعليم.
ومَنْ حِيلَ بينه وبين حقه، ولم يجد بداً من بذل المال في سبيل الحصول عليه، فلا إثم عليه في بذله، والإثم على الآخذ لا على الباذل.
4 ـ (دفع أشد المفسدتين بارتكاب أخفهما)؛ فإن عدم تمكين الأشخاص ذوي الدخل المحدود وأولاد ذوي الدخل المحدود ـ وهم الغالبية من حيث العدد ـ من حقهم في التعليم ومواصلة دراستهم الجامعية في بلاد الغرب؛ تترتب عليه مفاسد دينية ودنيوية أشد وأعظم وأرجح من أخذ هذا المال ورده بزيادة لا تعتبر ربا في حقهم.
5. العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني؛ فتسمية الحكومة لهذا المال بالقرض لا يؤثر في حكمه؛ لأن العبرة بحقيقته لا بالاسم الذي يطلق عليه. وحقيقة هذا المال أنه حق للمواطن ذي الدخل المحدود، أو للطالب الذي والداه من ذوي الدخل المحدود، في مال الدولة التي هو من رعيتها، من أجل التعليم، إذا توفرت فيه الشروط المتعلقة به. وبناء على هذا فلا تنطبق عليه أحكام القرض وإن سمي قرضا.
والأصل أن الحق لا يُقرَض، وإنما يجب على الحكومة أن تسلمه لمن يستحقه دون أن يرده في حالة قدرتها على ذلك أو دون زيادة عند سداده في حالة عدم قدرتها على ذلك.
ومما يجب مراعاته على من يباح له أخذ هذا المال ما يلي:
1 ـ أن يكون الشخص الآخذ لهذا المال من ذوي الدخل المحدود، أو أن يكون أولياء الطالب من ذوي الدخل المحدود الذين ينطبق عليهم نظام هذا القرض..
3 ـ لا يجوز صرف هذا المال إلا فيما يتعلق بالدراسة؛ مثل الرسوم الدراسية، والمعيشة (له أو لمن يعوله إن كان لديه عائلة)، والنقل، والكتب، ونحو ذلك؛ لأن الجواز يتعلق بالدراسة وما يتعلق بها دون غيرها.
4 ـ أن يقوم الطالب بسداد الدين حسب النظام الموضوع له من طرف الحكومة.
5 ـ أن تُخرَج الزكاة على ما بلغ منه نصابا وحال عليه الحول.
6- أن يكون المانح لذلك المال هو الجهة التي يكون للشخص له عليها حق، وهي الحكومة أو من ينوب عنها.
والله أعلم.
(د. عثمان شوشان)