الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد
فهذا بيان مختصر من الدكتور عثمان بن محمد الأخضر شوشان، في حكم شراء بيت بالموركج Mortgage في بلاد الغرب، لمن لا يستطيع شراءه بمعاملة مباحة:
1. الموركج عملية ربوية محرمة؛ لأنه قرض بزيادة (فائدة) في السداد.
2. أكثر العلماء المعاصرين على أن شراء البيوت بالموركج محرم؛ لأنه عملية ربوية، ولأن هناك بدائل مباحة مثل الإيجار.
3. أفتت بعض المجالس العلمية في الغرب بشراء البيوت بالموركج بشروط من باب الرخصة للحاجة العامة للمسلمين المقيمين في الغرب.
4. في تقديري مستند المجيزين ضعيف، ومع ذلك فإنه لا يُنكَرُ على من يأخذ بهذه الفتوى إذا اعتقد توفر شروط الفتوى فيه والتزم بشروطها.
5. الصحيح أنه يحرم على المسلم شراء بيت بالموركج ليتملك بيتا؛ لمجرد أنه يرغب في تحويل أقساط الإيجار إلى أقساط في ثمن شراء البيت؛ تحصيلا لمنفعة تملك بيت؛ لأن الرخصة إنما تشرع لدفع الضرر أو المشقة الشديدة، ولا تشرع الرخصة لتحصيل المنفعة.
6. قد يرخص للمسلم في شراء بيت بالموركج في حالة ترتب مشقة شديدة، أو مفسدة راجحة، أو يغلب على الظن تحققها في المستقبل في حالة عدم الشراء.
فرخصة التخفيف إنما تتعلق بالمشقة الشديدة، أما المشقة المعتادة أو المحتملة فلا تسوغ التخفيف؛ لأن جميع الأعمال والتكاليف الشرعية لا تخلو من هذا النوع من المشقة.
ومن الأمثلة على الأسباب التي تبيح الأخذ بالرخصة في شراء البيت بالموركج في الغرب:
• إذا كان السبب في شراء البيت وجوده في حي للمسلمين، حيث المساجد والمدارس الإسلامية؛ من أجل أن يحافظ المسلم على دينه، ودين أسرته.
• إذا كان السبب في شراء البيت وجوده في حي يتحقق فيه الأمن على نفسه ودينه، وعرضه، وماله.
• إذا كان السبب في شراء البيت وجوده قريبا من بيت والديه الكبار أو من تجب عليه رعايتهم؛ قياما بالواجب الشرعي في حقهم.
• إذا كان مبلغ الإيجار أضعافا مضاعفة على مبلغ أقساط الشراء؛ بحيث يسبب الإيجار عسرا شديدا أو مشقة شديدة تؤثر سلبا في معيشة المسلم أو في معيشة أسرته، ولا يكون ممن يحصل هو أو زوجته على مساعدة الحكومة في الإيجار.
• إذا كان نظام تأجير البيوت لا يحمي المستأجر من كثرة التنقل، ولا يحميه من التعسف في إخراجه من البيت؛ مما يؤثر سلبا في استقرار الأسرة نفسيا، أو تعليميا، أو اجتماعيا أو أخلاقيا أو نحو ذلك.
وهذه الرخصة مبنية على عدد من القواعد الشرعية، منها:
1.قاعدة: (المشقة تجلب التيسير).
2.قاعدة: (الأمور بمقاصدها).
3.قاعدة: (يدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما).
والخلاصة، أنه لا يجوز أن تكون النية في شراء البيت بالموركج هي تحصيل منفعة امتلاك بيت فحسب؛ لأنه لا يجوز تحصيل المنافع بالمحرمات، وإنما أن تكون النية هي دفع المفاسد الراجحة المتحققة أو التي يغلب على الظن تحققها عند عدم الشراء، وليس في مقدور المكلف دفعها إلا بالشراء بالموركج.
وليعلم المسلم بأنه مهما قدَّم من أعذار إلى المفتي ليحصل على الرخصة، فهو على نفسه بصيرة، والله جل وعلا أعلم بحاله؛ قال الله تعالى: ﴿بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ وَلَو أَلقى مَعاذيرَهُ﴾ [القيامة: ١٤- ١٥]﴾، فالفتوى غير التقوى.
ثم إن أقوى علاقة حب في حياة المسلم هي التي بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى، قال الله ﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: من الآية ١٦٥] فليحرص المسلم على هذه العلاقة التي هي سبب سعادته في الدنيا والآخرة، ولا يفسدها بسبب مسكن زائل أو دنيا فانية؛ قال الله تعالى: ﴿قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ﴾ [التوبة: ٢٤].
وما ترك المسلم شيئا طاعة لله جل وعلا إلا عوَّضه الله خيرا منه في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى:( ﴿وَعَدَ اللَّهُ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدنٍ وَرِضوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكبَرُ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ﴾ [التوبة: ٧٢]، والله أعلم.
د. عثمان بن محمد الأخضر شوشان
برمنجهام (المملكة المتحدة)
19/01/1442هـ الموافق 07/09/2020م